نبدأ الرواية : ( 1 )
————-
عندما هلك معاوية وقد اعطى الملك لابنه يزيد الذي سار على نفس ما سلكه بني امية
أول شيء فعله أنه أرسل واليه على المدينة الوليد بن عقبة ليأخذ بيعة الحسين (ع) . فرفض الحسين (ع) أن يبايع رجلا فاسقا شاربا للخمر و قاتل النفس المحرمة .
لما بلغ أهل الكوفة موت معاوية و أستخلاف يزيد و أمتناع الحسين (ع) عن البيعة . أجتمع الشيعة في منزل سليمان بن الصرد الخزاعي و قرروا أرسال رسالة الى الحسين (ع) ليبلغوه مجيئه الى الكوفة و مبايعته . فأرسلوا له 12 ألف رسالة . وهو يتأنى لأنه كان لا يثق بأهل الكوفة الذين خذلوا أباه و أخوه من قبل .
قرر الحسين (ع) أرسال أبن عمه مسلم بن عقيل الى الكوفة لأستطلاع الوضع هناك . فلما وصل مسلم الى الكوفة تلقاه الناس و بايعه أكثر من 18 ألف رجل . فقام بدوره بأرسال رسالة الى الحسين (ع) يبلغه بالأمر و يستحثه المجيء .
عرف أمير الكوفة بالأمر و قد كان النعمان بن بشير فصعد المنبر و خطب الناس و حذرهم الفتنة . فقام عبدالله بن مسلم بن سعيد الحضرمي بأرسال رسالة الى يزيد يخبره بوصول مسلم بن عقيل الى الكوفة و حذره قائلا : إن كنت تريد الكوفة فأبعث اليها رجلاقويا ينفذ أمرك . لأن النعمان بن بشير لرجل ضعيف و لا يصلح للأمر .
بعد أن وصلت الرسالة الى يزيد . قام بعزل النعمان بن بشير و جعل عبيدالله بن زياد واليا عليها و كان عبدالله واليا على البصرة فجمعهما ليزيد . أي البصرة و الكوفة .
وصل عبيدالله بن زياد الى الكوفة متلثما قادما من ناحية البادية لابسا زي رجل حجازي ليوهم الناس بأنه الحسين (ع) فلما دخل الكوفة أخذ الناس يكبرون و يهللون بأن أبن رسول الله وصل الكوفة و أجتمعوا حول بغلته قائلين له نحن أكثر من 40 ألف سوف ننصرك . فحسر عبيدالله اللثام قائلا : أنا عبيدالله بن زياد . ففزع الناس و تساقطوا و وطأ بعضهم البعض .
لما تسنم أبن زياد مقاليد الحكم نادى في الناس الصلاة جامعة . فأجتمع الناس في المسجد فخطب بهم محذرا الفتنة و طلب منهم تسليم مسلم بن عقيل .
أنتقل مسلم خفية الى دار هانيء بن عروة الثقفي بعد أن كان في دار المختار بن عبيدالله الثقفي . و أجتمعت اليه الشيعة سرا . و أبن زياد يلح في طلبه و لا يستطيع الوصول اليه .
مرض يوما شريك بن الأعور المذحجي و كان صديقا لعبيدالله . فأرسل أليه أبن زياد أنه يريد أن يعوده . فقال شريك بن الأعور لأبن عقيل : أن أبن زياد يريد أن يعودني فأجلس في الغرفة المجاورة و عندما أقول أسقوني الماء . أخرج من الغرفة و أقتله . فلما أقبل أبن زياد قال شريك بن الأعور أسقوني الماء فلم يخرج أحد . فخشى أن يفوته فأنشد :
ما الأنتظار بسلمى أن تحييها كأس المنية بالتعجيل فأسقيها
ثم خرج أبن زياد من البيت . فخرج مسلم من الغرفة و بيده السيف . فقال له شريك لم لم تقتله ؟ قال : هممت بالخروج و لكني كرهت الغدر . فقال هانيء بن عروة ( و كان شريك قد قدم من البصرة و نزل في دار هانيء بن عروة ) : أما و الله لو قتلته لقتلت فاسقا فاجرا كافرا .
قام عبيد الله بأعطاء مولى له أسمه عقيل 3000 درهم و قال له : أذهب الى الشيعة أصحاب مسلم و أدفع لهم هذه النقود و أزعم بأنك ناصرا لهم . فأتى عقيل المسجد و تقرب الى أحد رجال مسلم و أدعى أمامه بأنه رجل شامي يحب آل البيت و ينصرهم و هو يريد رؤية مسلم بن عقيل . و بعد أن أخذ منه أغلظ الأيمان بأنه صادق في كلامه أخذه الى دار هانيء بن عروة لرؤية مسلم فأجتمع عقيل معه و أستمر باللقاء مع الشيعة و كان أول داخل و آخر خارج من الدار . و كان يعلم أبن زياد بكل شيء و بكل دقة .
أرسل زياد في طلب هانيء بن عروة . فلما أتى هانيء قال أبن زياد لشريح القاضي و كان جالسا عنده :
أتتك بخائن رجلاه تسعى يقود النفس منها للهوان
أريد حياته و يريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد
و لامه كيف تغدر ببيعتك و تخفي في دارك مسلم بن عقيل و تجعل الشيعة تجتمع في دارك . فأنكر هانيء . فدعى أبن زياد خادمه عقيل ثم قال لهانيء : أتعرف هذا ؟ .. فعندئذ عرف هانيء بأنه كان عينا لأبن زياد . ثم طلب من أبن زياد أن يأتي بمسلم . فرفض هانيء ذلك قائلا بأنه ضيف عنده و أنه لا يسلم الضيف لأبن زياد ليقتله . فقام أبن زياد بضرب وجه أبن عروة بالقضيب و لم يزل يضرب أنفه و جبينه و خده حتى أنكسر القضيب و سالت الدماء على ثيابه ووجهه و لحيته و تناثر لحم جبينه و خده . ثم أمر بحبسه .
وصل خبر ذهاب هانيء بن عروة الى أبن زياد وصل الى مسلم . فجمع 4000 رجل من عشيرة هانيء و مناصريه فوصلوا القصر فحاصروا أبن زياد فيه و كان مع أبن زياد 30 رجلا من الشرطة . فأرسل أبن زياد في طلب وجوه الكوفة . و قام بالتحصن في القصر . ثم قدم عليه وجوه أهل الكوفة فحذرهم الفتنة و أطمعهم بالعطايا إذا خرج كل رجل منهم ليخذل قومه عن مسلم . ففعل وجوه أهل الكوفة ما أراده أبن زياد . فأصبح مسلم و معه 500 رجل فقط . ثم حل الظلام فصلى المغرب و ما معه سوى 30 رجل فقط . ثم خرج وليس معه سوى 10 أشخا
ص . ثم مشى قليلا وليس معه أي أنسان . فألتفت فأذا هو لا يرى أحدا يدله على الطريق أو منزل أو يواسيه . فمشى في أزقة الكوفة لا يدري أين يذهب . حتى وصل الى بيت أمرأة يقال لها ( طوعة ) و كانت للأشعث بن قيس فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلال .و كان أبنها قد خرج مع الناس و أمه تنتظره بالباب . فمر مسلم فطلب منها ماء . فسقته ثم بقى واقفا . فقالت له : ألا تذهب لدارك ؟ . فقال لها ليس لي دار .أنا مسلم بن عقيل . كذبني القوم و خذلوني . فأدخلته الدار . ولمى أتى ولدها الدار لاحظ كثرة دخولها الى غرفة معينة فسألها و ألح عليها و حلف أغلظ الأيمان حتى أخبرته بالأمر . فأضطجع و سكن . و لما أتى الصباح ذهب الى عبدالرحمن بن محمد بن الأشعث و أخبره بالأمر . فأتى عبدالرحمن أباه و كان جالسا عند أبن زياد و أخبره بالأمر . فبعث أبن زياد 70 رجلاحتى أتوا دار المرأة . فحصروا مسلم و دخلوا عليه الدار فقاتلهم و قتل منهم جماعة . و أختلف هو و بكر بن حمران الأحمري ضربيتين فضرب بكر فم مسلم فقطع شفته العليا و ضربه مسلم على حبل العاتق . ثم أخذ يقاتلهم حتى أعطى له محمد بن الأشعث الأمان . و لكن أبن زياد عندما وصل اليه مسلم . غدربالأمان الذي أعطي له . و دعى بكر بن حمران لضرب عنق مسلم . فضرب عنقه و رماه من أعلى القصر .
ثم أمر أبن زياد بأخراج هانيء بن عروة من سجنه و أرسله الى سوق الكوفة و هناك ضرب عنقه أمام أعين الناس . فقام أحدهم يرثيه :
فإن كنت لا تدري ما الموت فأنظر الى هانيء في السوق و أبن عقيل
الى بطل قد هشم السيف وجهه و آخر يهوي من طمار قتيل
و لم يعلم الحسين (ع) بالأمر . لأنه خرج من مكة متوجها الى العراق قبل عدة أيام من مقتل مسلم . و قام عمرو بن سعيد والي المدينة بأرسال رسالة ليزيد يحذره فيها من أن الحسين (ع) قد خرج من العراق .
أثناء توجه الحسين (ع) الى العراق . لقاه جماعة من الأعراب فأخبروه بمقتل مسلم و هانيء و ناشدوه بالرجوع الى مكة وقالوا له أن قلوب أهل الكوفة معه و سيوفهم عليه . فقال له بني عقيل ( أولاد عم الحسين ) : إننا لا نرجع حتى نأخذ بالثأر أو نموت كما مات مسلم . فقال الحسين (ع) :لا خير في العيش بعد هؤلاء .
و كان الحسين (ع) قد أرسل عبدالله بن يقطر و هو أخوه من الرضاعة الى الكوفة قبل أن يعلم بمقتل مسلم و ذلك ليعطي مسلم رسالة منه . فعرفه القوم و وشوا به الى أبن عقيل فقام برميه من أعلى القصر فتكسرت عظامه ثم ذبح بعد أن بقي فيه رمق .
أستمر الحسين (ع) بالمسير مع قومه بأتجاه العراق . حتى جاءه جيش أرسله أبن زياد و على رأسه الحر بن يزيد الرياحي . و قال هذا للحسين (ع) بأن أبن زياد قد أرسله ليأخذ الحسين اليه . فرفض الحسين (ع) الذهاب معه و أستمر بالمسير .و لم يكن أبن زياد قد أعطى أمرا للحر بعد بقتال الحسين (ع) . فأستمر الحر بالمسير بجانب الحسين (ع) . و لما وصل (ع) الى كربلاء على شاطيء الفرات قام بالأستراحة من ذلك المكان .
و في الثالث من محرم و بينما الحسين (ع) و أهله مازالوا في كربلاء . قدم عمر بن سعد بن أبي وقاص بجيش قوامه 4000 رجل . و فلان المازني ب 3000 رجل . و نصر بن فلان ب 2000 رجل . و كعب بن طلحة ب 3000رجل . و شبث بن ربعي ب 1000 رجل . و حجار بن أبجر ب1000 رجل . ومازال أبن زياد يرسل بالعساكرحتى أكتملوا 30 ألف مقاتل في اليوم السادس من محرم . وكان عمر بن سعد قائدا للجيش .
أرسل عمر بن سعد رسولا للحسين (ع) يسأله عن سبب مجيئه . فذكر له (ع) أن أهل الكوفة قد دعوه .و إن لم يريدوه فأنه سيرجع . فأرسل عمر بن سعد الى أبن زياد بذلك . فلما قرأ ابن زياد الكتاب قال :
الآن وقد علقت مخالبنا به يريد النجاة و لات حين مناص
و أرسل أبن زياد الى عمر بن سعد يقول له أعرض على الحسين أن يبايع يزيد . فإن فعل رأينا رأينا . كما أوصاه بأن يمنع الماء عنه .و أوصاه بأنه إن لم يبايع يزيد فلا بد من قتله .
أستمر القوم بمحاصرة الحسين (ع) و قومه و منعوا عنهم الماء . و في اليوم التاسع خرج الشمر بن ذي الجوشن عرضا الأمان على العباس و جعفر و عبداللع و عثمان أخوة الحسين (ع) . لأن أمهم أم البنبن بنت خزام زوجة الأمام علي (ع) كانت من قوم الشمر . فرفض هؤلاء الأمان و بقوا مع أخيهم الحسين (ع) .
و لما رأى الحر بن يزيد الرياحي أن القوم جادين في قتال الحسين (ع) . قام بالسعي نحو الحسين (ع) مظهرا ندمه و طلب منه السماح بالقتال بصفه لينال الشهادة . فرضي عنه الحسين (ع) و سمح له بالبقاء .
ثم بدأ القتال حيث قام جيش أبن زياد برمي السهام على الحسين (ع) و جماعته . فأصيب منهم جماعة . و كان أول من قتل من جيش الحسين (ع) هو يزيد بن زياد بن مهاجر الكندي و يلقب بأبي الشعثاء . و كان قد جاء مع عمر بن سعد . ثم أرتحل الى صف الحسين (ع) و قاتل بين يديه و قام بقتل 5 من جيش أبن زياد و هو ينشد :
أنا يزيد و أبي مهاجر أشجع من ليث يغيل حادر
يا رب أني للحسين ناصر و لأبن سعد تارك و هاجر
.
ثم برز يسار مولى زياد بن أبيه و سالم مولى عبيدالله أبن زياد . فخرج اليهم عبدالله بن عمير الكلبي من جماعة الحسين (ع) فبارز يسار فقتله . و بينما هو مشتغل بقتله غدره سالم بضربة أطارت أصابع كفه . فقام اليه عبدالله بن عمير فقتله . ثم رجع الى الحسين (ع) يرتجز :
إن تنكروني فأنا أبن كلب حسبي بيتي في عليم بيتي
أني أمرؤ ذو مرة و عضب و لست بالخوار عند النكب
أني زعيم لك أم وهب بالطعن فيهم صادقا و الضرب
ضرب غلام مؤمن بالرب
ثم قاتل قتالا شديدا و قتل لرجلان آخرين . حتى قتله هانيء بن ثبيت الحضرمي و بكير بن حي التميمي .
ثم خرجت جماعة من جيش عمر بن سعد .