إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الامام زين العابدين مدرسة الاجيال بين الحاظر والمستقبل

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

    الامام زين العابدين مدرسة الاجيال بين الحاظر والمستقبل

    بسم الله الرحمن الرحيم
    تمهيد
    العالم الاسلامي بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله مرَّ بمراحل كثيرة وخطيرة فكان الأئمة عليهم السلام يواجهون كل مرحلة بما يناسبها من المواقف والافعال حتى يصححوا كل ما قد انحرف عن جادة الاسلام الصحيح .*
    وربما كانت أخطر مرحلة تلك التي أعقبت كربلاء وما جرى فيها , حيث استبيح الدم الطاهر و انتهكت بها حرم الاسلام و ضاعت قيم الدين الحنيف من انفس الناس وتولاهم كل منحرف شاذ يحملهم على ترك مخافة الله وارتكاب الموبقات .*
    وهذه المرحلة عاش فيها الامام السجاد عليه السلام أربع وثلاثون عاماً من سني حياته الشريفة وهو يصحح ما قد انحرف أو زال , ذلك الاسلام الذي أراده الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وآله من نفوس الناس .*
    فقد عمل بنو امية ومن والاهم على صنع نموذج من الاسلام يستطيعون به ان ينعموا بنعم الدنيا ويستعبدوا المسلمين , وقد دأبوا على ذلك حتى قبل ان يستاثروا بها.*
    فهذا معاوية بعد أن ركب السلطة وقف ليعلن فصل الدين عن الدولة صراحة ويقول (يا أهل الكوفة أترونني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج ، وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون ، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وأَلي رقابكم ، وقد آتاني الله ذلك وأنتم له كارهون . ألا إن كل دم أصيب في هذه مطلول ، وكل شرط شرطته فتحت قدمي هاتين ) الكامل لابن الأثير : 6-220 ، مصر ، 1356هـ .

    إسلام بني أمية:
    فكانت أبرز سمات وملامح اسلام بني امية هي :-*
    1- تشويه أهل الحق بوضع الأحاديث وتلفق التفاسير .
    2- تصفية المعارضين جسدياً .*
    3- إنشاء الفرق الفكرية المعارضة .*
    4- نشر ثقافة السكوت على الظلم والظالمين بين المسلمين بل وتأييدهم ، وأن الأسلم لهم عند احتدام المعركة بين الحق والباطل الفرار الى رؤوس الجبال خشية الفتنة .*
    5- إرهاب الآمنين من الناس ، ومصادرت أموال المعارضين ظلماً وعدواناً .*
    6- إغداق أموال الدولة على حزب بنو امية ومؤيديهم .*
    7- تعطيل الحدود وإيقاف الشرع ونشر البدع في الدين .*
    هذه السمات وغيرها هي التي جائت بيزيد إلى الحكم وعلى أساسها حكم وسار كل خلفاء بنو أمية وأصبح هذا الفاجر المتجاهر بشرب الخمر وضرب الدفوف أميراً على المسلمين والمتحكم برقاب الناس , وقد أبى وريث الدوحة المحمدية المتمثلة بالامام الحسين عليه السلام أن يدين لهم بالتمكين واصبحت واقعة الطف الجذوة التي لاتنطفئ ولا تبرد في قلوب المؤمنين.*

    الإمام السجاد قائداً للحركة التصحيحية:
    فكان على الامام السجاد عليه السلام أن يتولى المواجهة والتصحيح وقد كانت البداية في الشام حيث الدور الاِعلامي أكثر تأثيراً من قعقعة السيوف وطعن الرماح مع ما يستبطن من فضح وكشف واحتمال تصفية وقتل ، فيقف الإمام السجاد عليه السلام في مجلس يزيد مسفّهاً الدعاوى الاَموية التي حاولت تشويه نهضة الحسين عليه السلام، وتزييف أهداف ثورته , فيروح مندّداً بالعصابة التي حرّفت دين النبي صلى الله عليه وآله ويضع أُولى العناوين العريضة في المسيرة التبليغية الاِعلامية التي قادت وتقود مسيرة الاِحياء العظيمة هذه ، برائدها الوحيد الحيّ الباقي ، مؤكداً على الفرعونية الجديدة التي تتحكّم باسم الدين ,*
    و تجلّى دور الإمام السجاد عليه السلام في قيادة مشروع الاِحياء وثورة التصحيح بالارتقاء بمهمته الرسالية إلى استكمال هذا المشروع وريادة هذه الثورة من خلال مدرسة علمية كبيرة بوجوده في المدينة المنورة التي هي البداية الثانية .

    مدرسة المدينة بقيادة الإمام زين العابدين:
    كانت مدرسته تعجّ بكبار أهل العلم من حاضرة العلم الاُولى في بلاد الاِسلام ، يحملون عنه العلم والاَدب ، وينقلون عنه الحديث وعلوم الشريعة من تفسير القرآن الكريم والعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وأحكامه وآدابه ، والسُنّة النبوية الشريفة روايةً وتدويناً في عصر ما زال كتابة الحديث فيه متأثراً بما سلف من سياسة المنع من التدوين ، كما تأدبوا على يديه في مجالسه بآداب الاِسلام التي شحنها في أدعيته التي اشتهرت وانتشرت في عهده حتى أصبحت تشكّل لوحدها ظاهرة جديدة في تبني اسلوب روحي متين, كما أن الامام عليه السلام سجل سابقةً علمية وتاريخية برسالة خالدةٍ استوعبت جلّ الحقوق التي لا يستغني الاِنسان عن معرفتها والعمل بها وسميت (رسالة الحقوق).*
    وواجه الامام السجاد عليه السلام أيضاً مقولات عقائدية تبنتها فرق إسلامية وتمحورت حولها واتخذت منها مناهج خاصة في فهم عقائد الاِسلام وتوجيه أحكامه , فما كان منه إلاّ أن وقف موقفه الواضح والمنسجم مع منهجه في التعليم والدفاع عن مبادىء الشريعة ، فضمّن أقواله الحكيمة وأدعيته المشتهرة نصوصاً تجتث تلك المقولات من جذورها ، ومن هذه المقولات عقيدتي الجبر والارجاء اللتين روّج لهما الامويون تبريراً لوجودهم في السلطة ولمشروعهم السياسي ، وعقيدتي التشبيه والتعطيل في الصفات اللتين اتخذتهما فرق متناقضة بذرائع مختلفة.*

    أهداف الإمام زين العابدين عليه السلام:
    كان على الامام عليه السلام أن يُلفت الاَنظار إلى امور كثيرة اختلط حابلها بنابلها ، وكان عليه أن يجذّر أمور اُخرى في عقول وضمائر الجماعة المؤمنة التي يُراد لها أن تحفظ الاِسلام عقيدةً ونظاماً ، شريعةً ومنهاجاً ، وليس شعاراً وسوقاً ، أو تجارة واستهلاكاً , فكانت مدرسة الامام عليه السلام تقوم على عدة أسس أبرزها:-*
    1- تركيز ثورة الاِمام الحسين عليه السلام في ضمائر الناس لأنه خرج لطلب الاِصلاح في أُمّة جدّه ، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر ، داعياً لتحكيم دين الله وبهذا يكون الامام قد فضح الشرعية المزيفة التي تقنّع بها الحكم الاَموي ، وكشف زيف شعاراته الاِسلامية العريضة ومزاعم انتمائه للنبي والوحي والرسالة الاِسلامية ، وبالتالي يوضح معالم الاِسلام المحمدي الاَصيل والفرق بينه وبين الاِسلام المدّعى الملفّع بتلكم الشعارات.*
    2- بناء القاعدة الجماهيرية الشعبية ، المؤهّلة لحفظ الرسالة وحدودها بعيداً عن الزيف والتزييف وسياسة تسطيح الوعي التي غطّت مساحات عريضة من الجمهور المسلم.
    3- تعميق مفهوم الاِمامة والولاية في الجماعة الخاصة بعد أن اهتزّت لدى العامّة تحت ضغط الاِعلام المزيف وأبواقه المأجورة.
    4- العمل بمنهاج دقيق وتكتيك خاص يراعى فيها جبروت السلطة الحاكمة التي كانت تحسب على الاِمام عليه السلام حركاته وسكناته ، وتعدّ عليه أنفاسه وكلماته من خلال أزلامها وجواسيسها المنتشرين في كل زاوية وزقاق .

    محاور الرسالة السجادية:
    وهذا العمل الدؤوب والمنهج الحكيم ، والموازنة الدقيقة تمثلت بعدة محاور , المحور الاول هو عدم المغامرة بتركةٍ ثقيلة عليه أداؤها في تبليغ الرسالة وحمل الاَمانة وبلورة أحكام الدين التي سفّهها حكام بني أمية .*
    المحور الثاني تحريك أجواء الصراع ضد الظالمين واستثمار بعض فضاءاته الحرّة لتطويق مساعي الحكام الاَمويين في الالتفاف على جريمتهم في تحريف الدين وخبثهم في احتواء غضب الاُمّة المقدس ضد قتلة الاِمام الحسين عليه السلام وأصحابه .*
    المحور الثالث إن الامام عليه السلام لا يريد أن يُتّهم أنه اعتزل التصدي تشبثاً بالحياة وحرصاً على حطامها ، بل انه كان يسعى إلى تسفيه تلك التهمة باعتباره أزهد الناس في حياة نتنة (اغتالت حسين السبط واختارت يزيداً).*
    المحور الرابع أنّه عليه السلام لم يرد أن يعطي للمتقاعسين والمتخاذلين عذراً آخر لتبرير قعودهم وغدرهم واحتمائهم بعزلته وانطوائه ، أي اتخاذ ذلك ذريعةً وغطاءً لنكوصهم وجبنهم وتهافتهم على الدنيا وملذّاتها ، وبالتالي مواصلة طريق الانحراف الذي كان الامام عليه السلام أصدق الناس في محاربته ، وأمضاهم في مناجزته ومناوءته.
    ولكل هذا فإن الامام وعدد قليل من المخلصين الذين تظافرت جهودهم على نصرته استطاع أن يحقق نتائج قياسية ويترك آثاراً عظيمة لا يقدر على تحقيقها أي زعيم أو قائد يمرُّ بظروفه , فدوره العلمي كان رائداً وعظيماً في إحياء الرسالة المحمدية وتعميقها في نفوس المسلمين .

    اغتياله بالسم:
    كان الإمام يتمتع بشعبية هائلة، فقد تحدث الناس - بإعجاب - عن علمه وفقهه وعبادته، وعجبت الأندية بالتحدث عن صبره، وسائر ملكاته، وقد احتل قلوب الناس وعواطفهم، فكان السعيد من يحظى برؤيته، والسعيد من يتشرف بمقابلته والاستماع إلى حديثه، وقد شق ذلك على الأمويين، وأقضّ مضاجعهم وكان من أعظم الحاقدين عليه الوليد بن عبد الملك، فقد روى الزهري أنه قال: ( لا راحة لي، وعلي بن الحسين موجود في دار الدنيا)،(1) وأجمع رأي هذا الخبيث الدنس على اغتيال الإمام حينما آل إليه الملك والسلطان، فبعث سماً قاتلاً إلى عامله على يثرب، و أمره أن يدسه للإمام ،(2) ونفذ عامله ذلك، وقد تفاعل السم في بدن الإمام، فأخذ يعاني أشد الآلام وأقساها، وبقي حفنة من الأيام على فراش المرض يبث شكواه إلى الله تعالى، ويدعو لنفسه بالمغفرة والرضوان، وقد تزاحم الناس على عيادته، وهو (عليه السلام) يحمد الله، ويثني عليه أحسن الثناء على ما رزقه من الشهادة على يد شر البرية.

    وصاياه لولده الباقر:
    وعهد الإمام زين العابدين إلى ولده*

    الإمام محمد الباقر (عليهما السلام) بوصاياه، وكان مما أوصاه به ما يلي:
    1- أنه أوصاه بناقته، فقال له: إني حججت على ناقتي هذه عشرين حجة لم أقرعها بسوط، فإذا نفقت فادفنها، لا تأكل لحمها السباع، فإن*

    رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما من بعير يوقف عليه موقف عرفة سبع حجج إلا جعله الله من نعم الجنة، وبارك في نسله،(3) ونفذ الإمام الباقر ذلك.
    2- أنه أوصاه بهذه الوصية القيمة التي تكشف عن الجوانب المشرقة من نزعات

    أهل البيت (عليهم السلام) فقد قال له: (يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة، فقد قال لي: يا بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله)، (4).
    3- أنه أوصاه أن يتولى بنفسه غسله وتكفينه، (5) وسائر شؤونه حتى يواريه في مقره الأخير.

    إلى جنة المأوى:
    وثقل حال الإمام، واشتد به المرض، وأخذ يعاني آلاماً مرهقة، فقد تفاعل السم مع جميع أجزاء بدنه، وأخبر الإمام أهله أنه في غلس الليل البهيم سوف ينتقل إلى الفردوس الأعلى، وأغمي عليه ثلاث مرات، فلما أفاق قرأ سورة الفاتحة وسورة (إنا فتحنا) ثم قال (عليه السلام): ( الحمد لله الذي صدقنا وعده، وأورثنا الجنة نتبوأ منها حيث نشاء فنعم أجر العاملين)،*.

    وارتفعت روحه العظيمة إلى خالقها كما ترتفع أرواح الأنبياء والمرسلين، تحفها بإجلال وإكبار ملائكة الله، وألطاف الله وتحياته.

    لقد سمت تلك الروح العظيمة إلى خالقها بعد أن أضاءت آفاق هذه الدنيا بعلومها وعبادتها وتجردها من كل نزعة من نزعات الهوى.

    تجهيزه:
    وقام الإمام أبو جعفر الباقر بتجهيز جثمان أبيه، فغسل جسده الطاهر، وقد رأى الناس مواضع سجوده كأنها مبارك الإبل من كثرة سجوده لله تعالى، ونظروا إلى عاتقه كأنه مبارك الإبل، فسألوا الباقر عن ذلك، فقال أنه من أثر الجراب الذي كان يحمله على عاتقه، ويضع فيه الطعام، ويوزعه على الفقراء والمحرومين،(7) وبعد الفراغ من غسله أدرجه في أكفانه، وصلى عليه الصلاة المكتوبة.

    تشييعه:
    وجرى للإمام تشييع حافل لم تشهد يثرب له نظيراً فقد شيعه البر والفاجر، والتفت الجماهير حول النعش العظيم والهين جازعين في بكاء وخشوع، وإحساس عميق بالخسارة الكبرى، فقد فقدوا بموته الخير الكثير، وفقدوا تلك الروحانية التي لم يخلق لها مثيل لقد عقلت الألسنة، وطاشت العقول بموت الإمام، فازدحم أهالي يثرب على الجثمان المقدس فالسعيد من يحظى بحمله، ومن الغريب أن سعيد بن المسيب أحد الفقهاء السبعة في المدينة لم يفز بتشييع الإمام والصلاة عليه، وقد أنكر عليه ذلك حشرم مولى أشجع، فأجابه سعيد: أصلي ركعتين في المسجد أحب إلي من أن أصلي على هذا الرجل الصالح في البيت الصالح،(8). وهو اعتذار مهلهل فإن حضور تشييع جنازة الإمام (عليه السلام) الذي يحمل هدي الأنبياء من أفضل الطاعات وأحبها عند الله تعالى.

    في مقره الأخير:
    وجيء بالجثمان الطاهر وسط هالة من التكبير والتحميد إلى بقيع الغرقد، فحفروا له قبراً بجوار قبر عمه الزكي الإمام الحسن سيد شباب أهل الجنة وريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنزل الإمام الباقر (عليه السلام) جثمان أبيه فواراه في مقره الأخير، وقد وارى معه العلم والبر والتقوى، ووارى معه روحانية الأنبياء والمتقين.

    وبعد الفراغ من دفنه هرع الناس نحو الإمام الباقر، وهم يرفعون إليه تعازيهم الحارة، ويشاركونه في لوعته وأساه، والإمام مع أخوته وسائر بني هاشم يشكرونهم على مشاركتهم في الخطب الفادح الجلل، والمصاب العظيم!!.

    قصيدته الموسومة " ليس الغريب]


    لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ واليَمَنِ *إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ*

    إِنَّ الغَريِبَ لَهُ حَقٌّ لِغُرْبَتـِهِ* على الْمُقيمينَ في الأَوطــانِ والسَّكَنِ*

    سَفَري بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَنـي* وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والمـوتُ يَطلُبُنـي*

    وَلي بَقايــا ذُنوبٍ لَسْتُ أَعْلَمُها *الله يَعْلَمُهــا في السِّرِ والعَلَنِ*

    مـَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني *وقَدْ تَمـادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي*

    تَمُرُّ سـاعـاتُ أَيّـَامي بِلا نَدَمٍ* ولا بُكاءٍ وَلاخَـوْفٍ ولا حـَزَنِ*

    أَنَـا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً *عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُنـي*

    يَـا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَبَتْ* يَـا حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني*

    دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدِبُـهـا *وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيـرِ وَالحَزَنِ*

    كَأَنَّني بَينَ تلك الأَهلِ مُنطَرِحــَاً *عَلى الفِراشِ وَأَيْديهِمْ تُقَلِّبُنــي*

    وَقد أَتَوْا بِطَبيبٍ كَـيْ يُعالِجَنـي *وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هـذا اليـومَ يَنْفَعُني*

    واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُـها* مِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَوَنِ*

    واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها *وصـَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني*

    وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوا* بَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَنِ

    وَقـامَ مَنْ كانَ حِبَّ لنّاسِ في عَجَلٍ* نَحْوَ المُغَسِّلِ يَأْتينـي يُغَسِّلُنــي*

    وَقــالَ يـا قَوْمِ نَبْغِي غاسِلاً حَذِقاً* حُراً أَرِيباً لَبِيبـاً عَارِفـاً فَطِنِ*

    فَجــاءَني رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَني* مِنَ الثِّيــابِ وَأَعْرَاني وأَفْرَدَني*

    وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحـاً* وَصـَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يَنْظِفُني*

    وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَني *غُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَوْمَ بِالكَفَنِ*

    وَأَلْبَسُوني ثِيابـاً لا كِمامَ لهـا* وَصارَ زَادي حَنُوطِي حيـنَ حَنَّطَني*

    وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيـا فَوا أَسَفاً *عَلى رَحِيـلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّغُنـي*

    وَحَمَّلوني على الأْكتـافِ أَربَعَةٌ* مِنَ الرِّجـالِ وَخَلْفِي مَنْ يُشَيِّعُني*

    وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا *خَلْفَ الإِمـَامِ فَصَلَّى ثـمّ وَدَّعَني*

    صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لهـا *ولا سُجـودَ لَعَلَّ اللـهَ يَرْحَمُني*

    وَأَنْزَلوني إلـى قَبري على مَهَلٍ* وَقَدَّمُوا واحِداً مِنهـم يُلَحِّدُنـي*

    وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني *وَأَسْكَبَ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني*

    فَقامَ مُحتَرِمــاً بِالعَزمِ مُشْتَمِلاً *وَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَوْقِي وفـارَقَني*

    وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِموا *حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ*

    في ظُلْمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هنــاك ولا *أَبٌ شَفـيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُنــي*

    فَرِيدٌ وَحِيدُ القبرِ، يــا أَسَفـاً *عَلى الفِراقِ بِلا عَمَلٍ يُزَوِّدُنـي*

    وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْ *مِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَني*

    مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ مـا أَقولُ لهم* قَدْ هــَالَني أَمْرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَني*

    وَأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُؤالِهـِمُ* مَـالِي سِوَاكَ إِلهـي مَنْ يُخَلِّصُنِي*

    فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنك يــا أَمَلي *فَإِنَّني مُوثَقٌ بِالذَّنْبِ مُرْتَهــَنِ*

    تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعدما انْصَرَفُوا *وَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأَثْقَلَني*

    واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لهـا بَدَلي* وَحَكَّمَتْهُ فِي الأَمْوَالِ والسَّكَـنِ*

    وَصَيَّرَتْ وَلَدي عَبْداً لِيَخْدُمَهــا *وَصَارَ مَـالي لهم حـِلاً بِلا ثَمَنِ*

    فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيــا وَزِينَتُها* وانْظُرْ إلى فِعْلِهــا في الأَهْلِ والوَطَنِ*

    وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِها *هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَنِ*

    خُذِ القَنـَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها *لَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ*

    يَـا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَراً *يَا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ*

    يـَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ *واكْتَسِبِي فِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني*

    يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً *عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ*

    ثمَّ الصلاةُ على الْمُختـارِ سَيِّدِنـا *مَا وَصَّـا البَرْقَ في شَّامٍ وفي يَمَنِ*

    والحمدُ لله مُمْسِينَـا وَمُصْبِحِنَا بِالخَيْرِ *والعَفْوْ والإِحْســانِ وَالمِنَنِ


    تقبل الله منا ومنكم*
    وعظم الله لناولكم الاجر
    منقول للفائده
    مأجورين مثابين ان شاءالله ونسألكم خالص الدعاءد1د1د1د1د1
يعمل...
X