إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ثاني محاولة إغتيال غدراً للإمام علي عليه السلام بعيدا عن المدينة ( الجزء الأول )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

    ثاني محاولة إغتيال غدراً للإمام علي عليه السلام بعيدا عن المدينة ( الجزء الأول )





    الحدث بتفاصيله المثيرة:
    5 ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري، وعبد الله بن العباس، قالا: كنا جلوساً عند أبي بكر في ولايته وقد أضحى النهار، وإذا بخالد ابن الوليد المخزومي قد وافى في جيش قام غباره، وكثر صهيل خيله، وإذا بقطب رحى ملوي في عنقه قد فتل فتلاً.

    فأقبل حتى نزل عن جواده، ودخل المسجد، ووقف بين يدي أبي بكر، فرمقه الناس بأعينهم، فهالهم منظره.

    ثم قال: اعدل يا بن أبي قحافة، حيث جعلك الناس في هذا الموضع الذي ليس له أنت بأهل؟! وما ارتفعت إلى هذا المكان إلا كما يرتفع الطافي من السمك على الماء، وإنما يطفو ويعلو حين لا حراك به، ما لك وسياسة الجيوش، وتقديم العساكر، وأنت بحيث أنت، من لين الحسب، ومنقوص النسب، وضعف القوى، وقلة التحصيل، لا تحمي ذماراً، ولا تضرم نارا، فلا جزى الله أخا ثقيف وولد صهاك خيراً.

    خالد يروي رواية كاذبة للحادثة

    إني رجعت منكفئاً من الطائف إلى جدة في طلب المرتدين، فرأيت علي بن أبي طالب، ومعه عتاة من الدين حماليق، شزرات أعينهم من حسدك، بدرت حنقاً عليك، وقرحت آماقهم لمكانك.

    منهم: ابن ياسر، والمقداد، وابن جنادة أخو غفار، وابن العوام، وغلامان أعرف أحدهما بوجهه، وغلام أسمر لعله من ولد عقيل أخيه.

    فتبين لي المنكر في وجوههم، والحسد في احمرار أعينهم، وقد توشح علي بدرع رسول الله «صلى الله عليه وآله»، ولبس رداءه السحاب، ولقد أسرج له دابته العقاب.

    وقد نزل علي على عين ماء اسمها روية.

    فلما رآني اشمأز وبربر، وأطرق موحشاً يقبض على لحيته.

    فبادرته بالسلام استكفاء، واتقاء، ووحشة. فاستغنمت سعة المناخ، وسهولة المنزلة، فنزلت ومن معي بحيث نزلوا اتقاء عن مراوغته.

    فبدأني ابن ياسر بقبيح لفظه، ومحض عداوته، فقرعني هزواً بما تقدمت به إليَّ بسوء رأيك.

    فالتفت إلي الأصلع الرأس، وقد ازدحم الكلام في حلقه كهمهمة الأسد، أو كقعقعة الرعد، فقال لي بغضب منه: أوكنت فاعلاً يا أبا سليمان؟!

    فقلت له: إي والله، لو أقام على رأيه لضربت الذي فيه عيناك.

    فأغضبه قولي إذ صدقته، وأخرجه إلي طبعه الذي أعرفه به عند الغضب، فقال: يا بن اللخناء! مثلك من يقدر على مثلي أن يجسر؟! أو يدير اسمي في لهواته التي لا عهد لها بكلمة حكمة؟! ويلك إني لست من قتلاك، ولا من قتلى صاحبك، وإني لأعرف بمنيتي منك بنفسك.

    ثم ضرب بيده إلى ترقوتي، فنكسني عن فرسي، وجعل يسوقني، فدعا إلى رحى للحارث بن كلدة الثقفي، فعمد إلى القطب الغليظ، فمد عنقي بكلتا يديه وأداره في عنقي، ينفتل له كالعلك المسخّن.

    وأصحابي هؤلاء وقوف، ما أغنوا عني سطوته، ولا كفوا عني شرته، فلا جزاهم الله عني خيراً، فإنهم لما نظروا إليه كأنهم نظروا إلى ملك موتهم.

    فوالذي رفع السماء بلا أعماد، لقد اجتمع على فك هذا القطب مائة رجل أو يزيدون، من أشد العرب، فما قدروا على فكه. فدلني عجز الناس عن فتحه أنه سحر منه، أو قوة ملك قد ركبت فيه.

    ففكه الآن عني إن كنت فاكه، وخذ لي بحقي إن كنت آخذاً، وإلا لحقت بدار عزي، ومستقر مكرمتي، قد ألبسني ابن أبي طالب من العار ما صرت به ضحكة لأهل الديار.

    فالتفت أبو بكر إلى عمر وقال: ما ترى إلى ما يخرج من هذا الرجل؟! كأن ولايتي ثقل على كاهله، وشجاً في صدره.

    فالتفت إليه عمر، فقال: فيه دعابة لا تدعه حتى تورده فلا تصدره، وجهل وحسد قد استحكما في خلده، فجريا منه مجرى الدماء، لا يدعانه حتى يهينا منزلته، ويورطاه ورطة الهلكة.

    ثم قال أبو بكر لمن بحضرته: ادعوا إلي قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري، فليس لفك هذا القطب غيره.

    قال: وكان قيس سياف النبي، وكان رجلاً طويلاً، طوله ثمانية عشر شبراً في عرض خمسة أشبار، وكان أشد الناس في زمانه بعد أمير المؤمنين «عليه السلام».


    قيس بن سعد بن عبادة يستهزئ بأبي بكر وعمر وحزبهم ثم يقرع أبابكر بعد أن أساء إليه :

    فحضر قيس، فقال له: يا قيس! إنك من شدة البدن بحيث أنت، ففك هذا القطب من عنق أخيك خالد.

    فقال قيس: ولم لا يفكه خالد عن عنقه؟!

    قال: لا يقدر عليه.

    قال: فما لا يقدر عليه أبو سليمان ـ وهو نجم عسكركم، وسيفكم على أعدائكم ـ كيف أقدر عليه أنا؟!

    قال عمر: دعنا من هزئك وهزلك، وخذ فيما حضرت له.

    فقال: أحضرت لمسألة تسألونها طوعاً، أو كرهاً تجبروني عليه؟!

    فقال له: إن كان طوعاً، وإلا فكرهاً.

    قال قيس: يا بن صهاك! خذل الله من يكرهه مثلك، إن بطنك لعظيمة، وإن كرشك لكبيرة، فلو فعلت أنت ذلك ما كان منك [عجب.

    قال:] فخجل عمر من قيس بن سعد، وجعل ينكت أسنانه بأنامله.

    فقال أبو بكر: وما بذلك منه، اقصد لما سألت.

    فقال قيس: والله، لو أقدر على ذلك لما فعلت، فدونكم وحدادي المدينة، فإنهم أقدر على ذلك مني.

    فأتوا بجماعة من الحدادين، فقالوا: لا ينفتح حتى نحميه بالنار.

    فالتفت أبو بكر إلى قيس مغضباً، فقال: والله، ما بك من ضعف عن فكه، ولكنك لا تفعل فعلاً يعيب عليك فيه إمامك وحبيبك أبو الحسن، وليس هذا بأعجب من أن أباك رام الخلافة ليبتغي الإسلام عوجاً، فحصد (أو فخضد) الله شوكته، وأذهب نخوته، وأعز الإسلام بوليه، وأقام دينه بأهل طاعته، وأنت الآن في حال كيد وشقاق.

    قال: فاستشاط قيس بن سعد غضباً، وامتلأ غيظاً، فقال: يا بن أبي قحافة! إن لك عندي جواباَ حمياً، بلسان طلق، وقلب جري، ولولا البيعة التي لك في عنقي لسمعته مني.

    والله، لئن بايعتك يدي لم يبايعك قلبي ولا لساني، ولا حجة لي في علي بعد يوم الغدير، ولا كانت بيعتي لك إلا {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً}([4]).

    أقول قولي هذا غير هائب منك، ولا خائف من معرتك، ولو سمعت هذا القول منك بدأةً لما فتح لك مني صلحاً. إن كان أبي رام الخلافة فحقيق من يرومها بعد من ذكرته، لأنه رجل لا يقعقع بالشنان، ولا يغمز جانبه كغمز التينة، ضخم صنديد، وسمك منيف، وعز باذخ أشوس، بخلافك والله أيتها النعجة العرجاء، والديك النافش، لاعزّ صميم، ولا حسب كريم.

    وأيم الله، لئن عاودتني في أبي لألجمنك بلجام من القول يمج فوك منه دماً، دعنا نخوض في عمايتك، ونتردى في غوايتك، على معرفة منا بترك الحق واتباع الباطل.

    وأما قولك: إن علياً إمامي، ما أنكر إمامته، ولا أعدل عن ولايته، وكيف أنقض وقد أعطيت الله عهداً بإمامته وولايته، يسألني عنه؟! فأنا إن ألقى الله بنقض بيعتك أحب إلى أن انقض عهده وعهد رسوله، وعهد وصيه وخليله.

    وما أنت إلا أمير قومك، إن شاؤوا تركوك، وإن شاؤوا عزلوك.

    فتب إلى الله مما اجترمته، وتنصل إليه مما ارتكبته، وسلم الأمر إلى من هو أولى منك بنفسك، فقد ركبت عظيماً بولايتك دونه، وجلوسك في موضعه، وتسميتك باسمه، وكأنك بالقليل من دنياك وقد انقشع عنك كما ينقشع السحاب، وتعلم أي الفريقين شر مكاناً وأضعف جنداً.

    وأما تعييرك إياي فإنه (في أنه: ظ.) مولاي، هو والله، مولاي ومولاك ومولى المؤمنين أجمعين.

    آه.. آه.. أنى لي بثبات قدم، أو تمكن وطئ حتى ألفظك لفظ المنجنيق الحجرة، ولعل ذلك يكون قريباً، ونكتفي بالعيان عن الخبر.

    ثم قام، ونفض ثوبه ومضى.

    وندم أبو بكر عما أسرع إليه من القول إلى قيس.

    وجعل خالد يدور في المدينة والقطب في عنقه أياماً.
يعمل...
X