إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ثاني محاولة إغتيال غدراً للإمام علي عليه السلام بعيدا عن المدينة ( الجزء الثاني )

تقليص
X
 
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

    ثاني محاولة إغتيال غدراً للإمام علي عليه السلام بعيدا عن المدينة ( الجزء الثاني )



    ثم أتى آت إلى أبي بكر، فقال له: قد وافى علي بن أبي طالب الساعة من سفره، وقد عرق جبينه، واحمر وجهه.

    فأنفذ إليه أبو بكر الأقرع بن سراقة الباهلي، والأشوس بن الأشجع الثقفي يسألانه المضي إلى أبي بكر في مسجد رسول الله «صلى الله عليه وآله».

    فأتياه فقالا: يا أبا الحسن! إن أبا بكر يدعوك لأمر قد أحزنه، وهو يسألك أن تصير إليه في مسجد رسول الله «صلى الله عليه وآله».

    فلم يجبهما.

    فقالا: يا أبا الحسن! ما ترد علينا فيما جئناك له؟!

    فقال: بئس والله الأدب أدبكم، أليس يجب على القادم أن لا يصير إلى الناس في أجلبتهم إلا بعد دخوله في منزله، فإن كان لكم حاجة فاطلعوني عليها في منزلي حتى أقضيها إن كانت ممكنة إن شاء الله تعالى.

    فصارا إلى أبي بكر، فأعلماه بذلك.

    أبوبكر وحزبه يذهبون صاغرين إلى الإمام علي عليه السلام في بيته ويطلبون الإذن في الدخول عليه :

    فقال أبو بكر: قوموا بنا إليه.

    ومضى الجمع بأسرهم إلى منزله، فوجدوا الحسين «عليه السلام» على الباب يقلب سيفاً ليبتاعه، قال له أبو بكر: يا أبا عبد الله! إن رأيت أن تستأذن لنا على أبيك.

    فقال: نعم.

    ثم استأذن للجماعة، فدخلوا ومعهم خالد بن الوليد، فبدأ به الجمع بالسلام، فرد عليهم السلام مثل ذلك، فلما نظر إلى خالد قال: نعمت صباحاً يا أبا سليمان! نِعمَ القلادة قلادتك.

    فقال: والله يا علي، لا نجوت مني إن ساعدني الأجل.

    فقال له علي «عليه السلام»: أف لك يا بن دميمة، إنك ـ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ـ عندي لأهون، وما روحك في يدي لو أشاء إلا كذبابة وقعت على إدام حار فطفقت منه، فاغن عن نفسك غناءها، ودعنا بحالنا حكماء، وإلا لألحقنك بمن أنت أحق بالقتل منه، ودع عنك يا أبا سليمان ما مضى، وخذ فيما بقي. والله، لا تجرعت من الجرار المختمة إلا علقمها. والله، لقد رأيت منيتي ومنيتك وروحي وروحك، فروحي في الجنة وروحك في النار.

    قال: وحجز الجميع بينهما، وسألوه قطع الكلام.

    فقال أبو بكر لعلي «عليه السلام»: إنا ما جئناك لما تناقض منه أبا سليمان، وإنما حضرنا لغيره، وأنت لم تزل ـ يا أبا الحسن ـ مقيماً على خلافي، والإجتراء على أصحابي، وقد تركناك فاتركنا، ولا تردنا فيرد عليك منا ما يوحشك، ويزيدك تنويماً إلى تنويمك.

    حوار مهم بين أمير المؤمنين عليه السلام وأبي بكر ولماذا لم يسل سيفه عليهم :

    فقال علي «عليه السلام»: لقد أوحشني الله منك ومن جمعك، وآنس بي كل مستوحش.

    وأما ابن الوليد الخاسر، فإني أقص عليك نبأه: إنه لما رأى تكاثف جنوده وكثرة جمعه زها في نفسه، فأراد الوضع مني في موضع رفع، ومحل ذي جمع، ليصول بذلك عند أهل الجمع، فوضعت عنه عندما خطر بباله، وهم بي وهو عارف بي حق معرفته، وما كان الله ليرضى بفعله.

    فقال له أبو بكر: فنضيف هذا إلى تقاعدك عن نصرة الإسلام، وقلة رغبتك في الجهاد، فبهذا أمرك الله ورسوله؟! أم عن نفسك تفعل هذا؟!.

    فقال علي «عليه السلام»: يا أبا بكر! وعلى مثلي يتفقه الجاهلون؟!

    إن رسول الله «صلى الله عليه وآله» أمركم ببيعتي، وفرض عليكم طاعتي، وجعلني فيكم كبيت الله الحرام يؤتى ولا يأتي.

    فقال: يا علي! ستغدر بك أمتي من بعدي، كما غدرت الأمم بعد مضي الأنبياء بأوصيائها إلا قليل، وسيكون لك ولهم بعدي هناة وهناة، فاصبر، أنت كبيت الله: من دخله كان آمنا، ومن رغب عنه كان كافراً، قال الله عز وجل: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً}([5]).

    وإني وأنت سواء إلا النبوة، فإني خاتم النبيين، وأنت خاتم الوصيين.

    وأعلمني عن ربي سبحانه بأني لست أسل سيفاً إلا في ثلاثة مواطن بعد وفاته، فقال: تقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين، ولم يقرب أوان ذلك بعد.

    فقلت: فما أفعل يا رسول الله بمن ينكث بيعتي منهم، ويجحد حقي؟!

    قال: فاصبر حتى تلقاني، وتستسلم لمصيبتك حتى تلقى ناصراً عليهم.

    فقلت: أفتخاف علي منهم أن يقتلونني؟!

    فقال: تالله، لا أخاف عليك منهم قتلاً ولا جراحاً، وإني عارف بمنيتك وسببها، وقد أعلمني ربي، ولكني خشيت أن تفنيهم بسيفك فيبطل الدين، وهو حديث، فيرتد القوم عن التوحيد.

    ولولا أن ذلك كذلك، وقد سبق ما هو كائن، لكان لي فيما أنت فيه شأن من الشأن، ولرويت أسيافاً، وقد ظمئت إلى شرب الدماء.

    وعند قراءتك صحيفتك تعرف نبأ ما احتملت من وزري، ونعم الخصم محمد والحكم الله.

    المسألة ليست شخصية فجرائم خالد كثيرة :

    فقال أبو بكر: يا أبا الحسن! إنَّا لم نرد هذا كله، ونحن نأمرك أن تفتح لنا الآن عن عنق خالد هذه الحديدة، فقد آلمه بثقله، وأثر في حلقه بحمله، وقد شفيت غليل صدرك منه.

    فقال علي «عليه السلام»: لو أردت أن أشفي غليل صدري لكان السيف أشفى للداء، وأقرب للفناء. ولو قتلته والله، ما قدته برجل ممن قتلهم يوم فتح مكة وفي كرته هذه، وما يخالجني الشك في أن خالداً ما احتوى قلبه من الإيمان على قدر جناح بعوضة.

    وأما الحديد الذي في عنقه فلعلي لا أقدر على فكه، فيفكه خالد عن نفسه، أو فكوه أنتم عنه، فأنتم أولى به إن كان ما تدعونه صحيحاً.

    فقام إليه بريدة الأسلمي، وعامر بن الأشجع فقالا: يا أبا الحسن! والله، لا يفكه عن عنقه إلا من حمل باب خيبر بفرد يد، ودحا به وراء ظهره، وحمله وجعله جسراً تعبر الناس عليه وهو فوق زنده.

    وقام إليه عمار بن ياسر، فخاطبه أيضاً فيمن خاطبه، فلم يجب أحداً.

    إلى أن قال له أبو بكر: سألتك بالله وبحق أخيك المصطفى رسول الله إلا ما رحمت خالداً، وفككته من عنقه.

    فلما سأله بذلك استحيى، وكان «عليه السلام» كثير الحياء، فجذب خالداً إليه، وجعل يخذف من الطوق قطعة قطعة ويفتلها في يده، فانفتل كالشمع.

    ثم ضرب بالأولى رأس خالد، ثم الثانية، فقال: آه يا أمير المؤمنين.

    فقال أمير المؤمنين «عليه السلام»: قلتها على كره منك، ولو لم تقلها لأخرجت الثالثة من أسفلك، ولم يزل يقطع الحديد جميعه إلى أن أزاله عن عنقه.

    وجعل الجماعة يكبرون ويهللون، ويتعجبون من القوة التي أعطاها الله سبحانه أمير المؤمنين «عليه السلام»، وانصرفوا شاكرين([6]).
يعمل...
X